استضافت بيروت في 10 و11 كانون الأول 2025 فعاليات منتدى لبنان لحوكمة الإنترنت "Lebanon IGF"، برعاية وزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، وبمشاركة واسعة من ممثلي الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديميا والخبراء التقنيين. وقد شكّل المنتدى مساحة حوار حول تحديات وفرص التطوّر الرقمي في لبنان، وسط تحوّلات عالمية متسارعة في مجال الإنترنت والذكاء الاصطناعي والحوكمة الرقمية.

الوزير شحادة: لبنان حاضر وفاعل برغم التحديات

أكد الوزير كمال شحادة أنّ "لبنان كان، وسيبقى، لاعباً أساسيًاً في الساحة الرقمية الإقليمية والدولية"، مشيراً إلى أنّ المنتدى "منصّة وطنية جامعة تتيح للبنان إيصال رؤيته الرقمية إلى المحافل العالمية، ولا سيما المنتدى العالمي لحوكمة الإنترنت (IGF)". وأوضح أنّ لبنان IGF أصبح خلال السنوات الماضية جزءاً فاعلاً من النقاشات الرقمية الدولية من خلال مشاركته في جلسات مشتركة مع دول متقدمة مثل سويسرا وكندا، وتعاونه المستمر مع منظمات إقليمية ودولية متخصصة، مؤكدًا أن هذه المشاركة "لم تكن بروتوكولية، بل حواراً حقيقياً أثبت حضور الخبرات اللبنانية وقدرتها على التأثير وصياغة السياسات الرقمية الحديثة".

وأشار شحادة إلى "قرار الحكومة تكليف ثلاثة خبراء لبنانيين لدعم البعثة الديبلوماسية اللبنانية في الأمم المتحدة ولتمثيل لبنان رسمياً في مفاوضات WSIS+20 في نيويورك للمرة الأولى"، لافتاً إلى أنّ مساهمات الفريق اللبناني بالتعاون مع مصر والأردن "أثمرت اعتماد معظم المقترحات العربية في النسخة الأخيرة من الوثيقة الدولية". وختم بالدعوة إلى "صياغة توصيات عملية تُرفع إلى المنظمات الدولية المعنية"، بما يعكس رؤية وطنية لبناء مستقبل رقمي مستدام وآمن ومنفتح للجميع.

الوزير كمال شحادة

نقاش شامل حول الذكاء الاصطناعي.. البنية التحتية والثقة الرقمية

شهد المنتدى نقاشات مكثّفة امتدت على مدى يومين، تنقّلت بين قضايا الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية، حماية البيانات، والثقة الرقمية. وتوزّعت الجلسات بين بحث سبل تطوير حوكمة مسؤولة للذكاء الاصطناعي، ومناقشة جاهزية البنية التحتية للإنترنت في لبنان وقدرتها على الصمود، مروراً ببناء الثقة الرقمية في الأنظمة الهشّة، ووصولاً إلى معالجة الفجوات الرقمية والإدماج الرقمي للفئات الأقل قدرة على الوصول. كما تناول المنتدى حماية نزاهة المعلومات قبيل انتخابات 2026، في ظل تزايد التهديدات المرتبطة بالمعلومات المضللة والتلاعب الرقمي، ما جعل هذا المحور من أبرز محطات الحدث.

سمعان لـ"النهار": الجمود التشريعي يعيق التحوّل الرقمي في لبنان

في حديثٍ لـ"النهار"، لفتت جيستال سمعان، الباحثة في حوكمة الشؤون الدولية والديبلوماسية، إلى أنّ لبنان قادر على تحقيق تحوّل رقمي جذري، إلا أنّ العقبة الأساسية تكمن في ضعف البنى التحتية وتراكم المشكلات السياسية على مدى ثلاثين عاماً، ما يعيق تنفيذ المشاريع. وأشارت إلى أنّ أي مساعٍ لجذب الشركات العالمية تصطدم بغياب البنى التحتية الأساسية، وهذا شرطٌ أساسي لانطلاق أي مشروع رقمي.

وأكدت سمعان التي شاركت في المنتدى، أنّ الجمود التشريعي في مجلس النواب يستسبب بتعطيل إصدار قوانين تواكب التطور التكنولوجي المتسارع، بالإضافة إلى ضرورة توافر بيئة مستقرة وبنية قانونية واقتصادية متماسكة. وأضافت مؤكدة أن نجاح التحوّل الرقمي يتطلب توازياً بين التطوير التقني والإصلاحات المؤسسية، وإلا ستبقى الخطوات المتخذة معزولة وغير قادرة على إنتاج أثر فعلي.

تحديات البنية التحتية وأثرها على الشمول الرقمي في لبنان

من جهته، أكد رودي شوشاني، خبير في التحول الرقمي وحوكمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو متحدث في المنتدى، في حديثه مع "النهار"، أن التحديات البنيوية المتعلقة بالكهرباء والإنترنت تؤثر تأثيراً كبيراً وعميقاً على الشمول الرقمي في لبنان. وقال: "هذان العنصران الأساسيان يشكلان عقبة كبيرة أمام الوصول إلى الخدمات الرقمية، خصوصاً في المناطق الريفية".

وأشار إلى أن أزمة الطاقة ليست جديدة، إذ تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، وتؤثر على الأفراد والمؤسسات، وتحد من إمكانية اعتماد الحلول الرقمية بفعّالية، مضيفاً أنه حتى الوزارات التي شرعت في التحول الرقمي، مثل وزارة الاقتصاد، تواجه صعوبات على أرض الواقع.

ولفت إلى أن البنية التحتية للإنترنت في لبنان لا تزال ضعيفة نسبياً مقارنة بالمعايير العالمية، وسرعة الاتصال المتاحة لا تلبي الاحتياجات الحالية، وهو ما يفاقم من مشكلة الوصول الرقمي. وأضاف أن "هناك خططاً حالية لتوصيل نحو 350 إلى 400 ألف منزل جديد بشبكة الفايبر، ما سيُحسن كثيراً من قدرة المواطنين على الوصول إلى الخدمات".

عكس منتدى لبنان لحوكمة الإنترنت حجم التحدي والفرصة في آنٍ واحد: فبينما يواجه لبنان ضغوطاً اقتصادية وبنيوية وأمنية، برزت في النقاشات إرادة واضحة لتعزيز دوره في الحوكمة الرقمية العالمية، والاستفادة من طاقاته البشرية وخبراته المنتشرة دولياً. فهل سنتمكن من تحويل هذه الرؤى إلى واقع رقمي ملموس؟