الفن يغيّر الإنسان”… رشا رزق والإيمان بالقوة الناعمة - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الفن يغيّر الإنسان”… رشا رزق والإيمان بالقوة الناعمة - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 12:15 مساءً

في كلّ مرّة أسمع فيها صوت الفنانة رشا رزق، تعود بي الذكريات إلى زمن الطفولة، ويستيقظ في داخلي ذلك الحنين الدافئ إلى الماضي. فهذا الصوت الذي رافق جيلاً كاملاً في لحظات البراءة والأحلام، ما زال حتى اليوم ملاذاً نعود إليه كلّما ضاقت بنا الدنيا. بين الأوبرالي والجاز وأغاني الرسوم المتحرّكة، نسجت رشا رزق مسيرة فنية استثنائية، صنعت من خلالها إرثاً موسيقياً يلامس الوجدان قبل الأذن. في هذا الحوار، نتوقّف معها عند محطاتٍ شكلت هويتها الفنية والإنسانية، ونسألها عن البدايات، وعن إرث “سبيستون”، وعن شغفها بالتنوّع الموسيقي، وعن رؤيتها للفن ودوره، وحياتها بعيداً عن الأضواء، ونصائحها للجيل الجديد من الحالمين بالغناء.

1- هل تتذكّرين المرّة الأولى التي وقفتِ فيها على المسرح؟ 
أوّل مرة غنيت فيها لم تكن على المسرح، بل أمام أفراد العائلة. كنت صغيرة عندما اكتشفت عائلتي موهبتي، وطلبوا مني الغناء أمام الجيران، وكانت تلك اللحظة تحمل رهبة كبيرة في قلبي. كنت خجولة جداً، ولا زلت أشعر ببعض الخجل حتى اليوم لأنني أتعامل مع الغناء بجدّية شديدة.

أما أوّل مرة وقفت فيها على المسرح فعلياً فكانت في المدرسة عندما كان عمري تسع سنوات. بالنسبة لي كان المشهد يشبه أفلام الرعب! لكن الأمور بدأت تتطور بعدها، فأصبحت أشارك في نشاطات مختلفة في سوريا، وكنت جزءاً من طلائع البعث، حيث شاركنا في مهرجانات للأطفال وأدّينا الأغاني على مسارح كبيرة. يمكن القول إن بدايتي كانت مبكرة جداً.

٢-  كثيرون يربطون طفولتهم بصوتكِ في سبيستون… كيف تنظرين اليوم إلى هذا الإرث بعد مرور أكثر من عشرين عاماً؟

هذا الأمر يسعدني كثيراً، لأنني أشعر بأنني أصبحت جزءاً من ذاكرة جيل كامل. وأنا ممتنة جداً لكل الانطباعات التي تصلني من هذا الجيل، إذ يخبرونني دائماً أنهم تأثروا بالكلمات… كلمات منحت الكثير منهم دفعة معنوية، خاصة أولئك الأطفال الذين كانوا يشعرون بالحزن أو الاكتئاب أو الخوف، سواء بسبب حياتهم الدراسية أو الاجتماعية.
لقد كانت القيم التي نضعها في الأغاني، والرسائل التربوية التي حرصنا على تقديمها، تؤثّر فيهم بعمق. واليوم، وبعدما كبروا، يأتون ليقولوا: "شكراً على تلك الكلمات… لقد تركت أثراً في حياتنا، والآن ندرك قيمتها الحقيقية". وهذا بحد ذاته يمنحني سعادة كبيرة، لأن الإنسان حين ينجح في إضاءة شمعة وسط هذا الظلام الذي يملأ العالم، ويقدّم شيئاً جيداً ونافعاً، فإنه يسهم فعلاً في إسعاد طفولة الآخرين.
ومجرد المساهمة في إسعاد طفولة لأننا للأسف نعيش في عالم عربي يضم الكثير من الأطفال التعساء. لذلك، فإن أي إضافة تمنحهم أملاً أو بهجة ليست أمراً بسيطاً على الإطلاق.

رشا رزق في لقطة من حفلتها في برلين (انستغرام)

رشا رزق في لقطة من حفلتها في برلين (انستغرام)

٣- انطلقتِ من الغناء الأوبرالي إلى أغاني الرسوم المتحرّكة وصولاً إلى الجاز… ما الذي يجذبكِ إلى خوض تجارب موسيقية متفاوتة بهذا الشكل؟
بطبيعة الحال، كانت بداياتي مرتبطة بالبيئة العربية التي نشأت فيها، فثقافتنا عربية وموسيقانا عربية. تربّيت على الطرب الأصيل: أم كلثوم، أسمهان، فريد الأطرش، عبد الوهاب، والموشّحات والقدود الحلبية وصباح فخري. كان هذا جزءاً أساسياً ممّا كنا نسمعه في المنزل. وفي الوقت نفسه، كنت في طفولتي أؤدّي في المدرسة الأغاني الفرنسية الكلاسيكية، مثل أغاني بياف، أزنافور، وبريل، فشكّل ذلك أيضاً جزءاً من ثقافتي.

كذلك تأثّرت بالبوب العالمي بمختلف مراحله—الستينات والسبعينات والثمانينات—فنحن جزء من هذا العالم، ومنفتحون على موسيقاه وثقافاته المتنوعة. وهذا التنوع يمنح أي موسيقي غنىً كبيراً، والحمد لله نشأت في بيئة موسيقية منفتحة على ثقافات متعددة، وهذا ما يجعل الفنان متعدّد الوجوه، وابناً لزمانه ومجتمعه، وابناً للعالم أيضاً. فالغنى الثقافي يشبه تعلُّم لغات مختلفة، يوسّع آفاق الإنسان ويفتحه على العالم.

أما دراستي، فقد اتجهت إلى الأوبرا لأسباب أكاديمية بحتة، إذ كان هذا القسم الوحيد المتاح في المعهد العالي للموسيقى. لم تكن رغبتي الأولى، فقد كنت أميل إلى دراسة الموسيقى العربية أو موسيقى الجاز. لم تكن لديّ معرفة واسعة بالأوبرا في البداية، فثقافتي كانت أقرب إلى الطرب الشرقي والبوب والروك. لكنني تعرّفت إلى هذا العالم الكلاسيكي، وأحببته كثيراً، فأكملت دراستي فيه، ثم واصلت دراستي في فرنسا أيضاً.

رشا رزق ضمن فعاليات مهرجان صيف البحرين للألعاب 2025 (انستغرام)

رشا رزق ضمن فعاليات مهرجان صيف البحرين للألعاب 2025 (انستغرام)

ومن خلال هذا الفنّ، تعلّمت أصعب أنواع الغناء وأكثرها تطلباً من الناحية التقنية، إضافةً إلى فهمٍ عميق لآلة الصوت—أي الحنجرة—من حيث بيولوجيتها وتشريحها وكيفية عملها. وهذا أمر مهم جداً لأي مغنٍّ ليتمكّن من تدريب صوته بشكل صحيح والحفاظ عليه مع التقدم في العمر. كما تعلّمت تقنيات موسيقية وغنائية متنوعة وكيف تعمل كل تقنية منها.

هذا العلم أغناني كثيراً، وأنا مدينة للأوبرا لأنها فتحت لي أبواباً واسعة، ليس فقط موسيقياً، بل مسرحياً أيضاً، فالأوبرا فنّ غنائي مسرحي، يجمع بين الموسيقى والتمثيل والرقص والأدب. وهو فنّ شامل يضم عناصر متعددة، وكلها ساهمت في تكوين تجربتي الفنية وتطويرها.

4- لو عاد بكِ الزمن، في أيّ عصر موسيقي كنتِ تودّين أن تعيشي وتغنّي؟
إذا عاد بي الزمن، أحب أن أرجع إلى بدايات القرن العشرين ونهايات القرن التاسع عشر، أي إلى فترة عبد الحليم حمولي وأبو خليل القباني، هؤلاء الأشخاص الذين أسسوا الموسيقى العربية. أولئك الرواد هم من نقل لنا أول موسيقى عربية مكتوبة وموثقة، وقابلة للاستماع أيضًا، لأنه لم يكن لدينا أي موسيقى مكتوبة سابقًا بشكل منظم وموثق.
هؤلاء الرواد الأوائل كانوا أول من نقل الموسيقى العربية إلى العالم الحديث، وكنت أتمنى أن أعيش في زمنهم لأرى وأعيش تجربتهم عن قرب

5- يحمل الفن عادةً رسالة… ما الرسالة التي تحبّين إيصالها من خلال صوتكِ اليوم؟
بالطبع، مفهوم الفن يختلف من فنان إلى آخر. فبعض الفنانين يعتبرون الفن مسؤولية، بينما آخرون قد لا يرون ذلك. هذا خيار الفنان نفسه، وهو قرار شخصي فيما إذا كان يريد أن يوجّه رسالة للناس أو للعالم من خلال فنه، سواء لتسليط الضوء على قضايا معينة، أو للتعبير عن ذاته. من خلال تعبيره عن نفسه كفنان، يمكنه أن يرسل رسالة للعالم، وهنا تكمن مسؤوليته.

ندرك جميعًا أن الفن لا يستطيع إطعام الجائع، ولا إيقاف بندقية أو دبابة أو صاروخ، لكنه يستطيع أن يغيّر الناس، وعندما يتغير الناس، يتغير العالم. الفن هو بلا شك قوة ناعمة، يغيّر العالم ببطء، مثل الطبيعة التي تبني ببطء، لكن تأثير الفن على الناس يكون عميقًا ومستدامًا، لأنه يغير الإنسان داخليًا.

أنا أؤمن أن هذه مسؤولية الفنان الذي يختار أن يتحملها، والذي يعتبر نفسه فنانًا ملتزمًا. وطرق التعبير الفني متعددة، ومن المهم أن يصل الفنان إلى الناس بطريقة غير مباشرة، إذ أن الوصول المباشر قد يتحول إلى نوع من الوعظ، وهذا ليس دور الفن. الفن هو أفضل وسيلة لإيصال الرسائل التي تغيّر الناس حقًا من الداخل.

 

رشا رزق ضمن فعاليات مهرجان صيف البحرين للألعاب 2025 (انستغرام)

رشا رزق ضمن فعاليات مهرجان صيف البحرين للألعاب 2025 (انستغرام)

6- بعيداً عن المسرح والميكروفون… كيف تفضّلين قضاء وقتكِ العادي بعيداً عن الأضواء؟
بعيدًا عن المسرح والميكروفون، أنا أم منشغلة جدًا جدًا. أقضي معظم وقتي في العناية بابنتي، وأعمال البيت، والطهي—وأحب الطهي كثيرًا. كما أنشغل بأوراقي وأموري اليومية مثل أي شخص آخر، فلا يتوفر لدي وقت كبير لمقابلة أصدقائي. للأسف، لست اجتماعية جدًا، لكن ولحسن الحظ هناك وسائل التواصل الاجتماعي التي تمكّنني من التواصل مع أصدقائي لفترات طويلة عبر الواتساب أثناء قيامي بأعمالي المنزلية. هذا هو النشاط الاجتماعي الوحيد المتاح لي، لأن وقتي ضيق جدًا، كما تفهم كل الأمهات وضعي.

7- هناك جيل جديد من الفنانين يظهر اليوم… ما النصيحة الذهبية التي يمكن أن تقدّميها لأي شاب أو شابة يحلمان بالغناء؟

إذا أردنا أن نستشهد بما يقوله الفنانون العالميون الكبار، نجد أنهم جميعًا يعودون إلى قاعدة واحدة: كن نفسك. كلما كان الفنان أكثر أصالة وحقيقة، ودافع عن هويته الفنية واختلافه وتميزه، كلما حافظ على تفرده. أسوأ ما يمكن أن يحدث في الفن هو التشابه والتقليد، إذ يؤدي ذلك إلى فقدان البصمة الفنية.

أنا أتحدث هنا عن اللغة الفنية التي يستخدمها الفنان في أعماله، بغض النظر عن الرسالة التي يريد إيصالها. كلما كان الفنان متميزًا وحافظ على شخصيته الفنية، كلما ظل فنه حيًا وذا قيمة، لأنه لن يصبح مجرد ترند عابر. التريند دائم التغير، والناس تبحث دائمًا عن التجديد، فهو أمر تجاري يهدف إلى بيع منتجات جديدة تختلف عن سابقتها.
في النهاية، بعض الفنانين يختارون مواكبة التريند وتغيير أسلوبهم باستمرار، بينما يختار آخرون الحفاظ على شخصيتهم الفنية. برأيي، الحفاظ على الهوية الفنية هو الضمان الأكبر للبقاء مميزًا في عالم الفن

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق