أيّ لبنان نريد - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أيّ لبنان نريد - وضوح نيوز, اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 10:55 صباحاً

رنا فرح 

في 28 كانون الأول 1982، قال أنطوان فتال، رئيس الوفد اللبناني الذي كان يفاوض في إطار اتفاق 17 أيار 1983، خلال جلسة الافتتاح إنّ لبنان "محب للسلام بطبيعته وتقاليده". ومع أنّ الاتفاق كان محاولة لطيّ صفحة الحرب وبناء علاقة جديدة مع إسرائيل، إلّا أنّه أثار جدلاً وخلافات بين الفئات اللبنانية المختلفة. وألغي الاتفاق قبل أن يدخل حيّز التنفيذ، بعدما استطاع رافضوه أن يطيحوا فحواه، وفقاً لما جاء في مقال: وقفات "النهار" اتفاق 17 أيار من توقيعه وصولاً إلى سقوطه  وإلغائه. في تقريرها حول مسار هذا الاتفاق.

790931Image11180x677_d_103500.jpg

السلام اليوم… انقسام قديم يتجدّد
لا يزال اللبنانيون حتى اليوم منقسمين حول فكرة السلام مع إسرائيل. فمن جهة، يرى البعض أنّ السلام شرط للاستقرار والازدهار في ظل الانهيار الاقتصادي. ومن جهة أخرى، تؤكد تيارات المقاومة أنّه لا سلام مع "العدو" وأنّ الصراع المسلّح وميزان الردع ما زالا الطريق إلى حماية لبنان واستعادة الحقوق.

هذا الانقسام ليس جديدًا، بل هو امتداد لمسار طويل من الاختلاف حول موقع لبنان ودوره وهويته الاستراتيجية. وفي سياق آخر، شدّد الرئيس جوزيف عون خلال عمل لجنة مراقبة وقف إطلاق النار (الميكانيزم) على أولوية التفاوض، وعلى دور السفير سيمون كرم في رئاسة الوفد اللبناني. أما البابا لاوون الرابع عشر في زيارته إلى لبنان، فدعا اللبنانيين إلى التمسّك ببلدهم، ونزع السلاح من القلوب، وإسقاط جدران الانغلاق السياسي والديني. ومن هنا يبرز السؤال: كيف نبني وحدة وطنية حقيقية في بلد متعدّد الهويات؟ وأيّ لبنان نريد؟

من مفهوم "العهد" إلى حلم الدولة
عبر التاريخ، بحثت الشعوب عن المبادئ التي تحفظ تماسكها. وظهر مفهوم العهد للمرة الأولى في الميثاق الإلهي مع إبراهيم -عهد الله مع ابراهيم- ليس كاتفاق قانوني، بل كرابطة أخلاقية تقوم على الأخوّة والمسؤولية والمصير المشترك.
عاد هذا المنطق ليظهر في تجارب عديدة في المجتمعات البروتستانتية، وفي اختيارات وودرو ويلسون عندما سمّى دستور عصبة الأمم "الميثاق"، وفي دعوات البابا اليوم لبناء عالم أكثر أخوّة وإنسانية. والجوهر واحد: علاقة تقوم على الالتزام المتبادل واحترام الإنسان كأساس لبناء الدولة.

الفلسفة السياسية: من أفلاطون إلى الفارابي
قدّم أفلاطون نموذجًا لمجتمع منسجم تُوزَّع فيه الأدوار بحسب القدرات، حيث قسّم أبناء المدينة إلى طبقات يشكّل كلٌّ منها جزءًا من نسيج واحد. واستعان في ذلك بما عُرف بـ "أسطورة المعادن" Fable of the metals  التي شبّه فيها طبقات المجتمع بمعادن مختلفة: فالذهب لمن يمتلكون الحكمة والقدرة على القيادة، والفضة لحماة المدينة والمحاربين، والنحاس والحديد للعمّال والحرفيين والفلاحين. 

لم يكن هدف أفلاطون إقامة تمييز طبقي، بل شرح فكرة الانسجام: فكل طبقة، مهما كانت، تُشكّل جزءًا من نسيج واحد، ولا يكتمل العدل إلا عندما يقوم كل فرد بالدور الذي يلائم قدراته، فيصبح العدل مسؤولية جماعية لا سلطة قمعية. ثم طوّر الفارابي هذا التصوّر مضيفًا بعدًا أخلاقيًا وروحيًا، معتبرًا أن الخير العام هو غاية المجتمع، وأن الحاكم الفاضل هو من يجمع بين العقل والأخلاق. من هذا المنطلق، تصبح الوحدة والسلام مسؤولية كل فرد، لا واجب السلطة وحدها.

المواطنة: الطريق نحو السلام والوحدة
الدولة ليست مجرد أرض أو خريطة سياسية، بل مجتمع مواطنين. والمواطن ليس من يحمل الهوية فقط، بل من يشارك في بناء الدولة عبراحترام القانون، العمل للصالح العام، قبول التعدّد، دعم المؤسسات، والمشاركة السياسية الواعية.
وبالتالي، لا سلام بلا مواطنة، ولا مواطنة بلا مسؤولية والتزام.

لبنان: بين ظلال الكهف ونور الدولة
من هنا، تبدو استعارة كهف أفلاطون مطابقة تمامًا للحالة اللبنانية. ففي أسطورة الكهف، allegory of the cave يعيش الناس مقيدين في ظلامٍ دامس، لا يرون من العالم سوى ظلالٍ تتحرّك على الجدار، فيحسبونها الحقيقة الوحيدة الممكنة. وعندما يخرج أحدهم إلى خارج الكهف، يُفاجأ بالنور أوّلًا، ثم يكتشف تدريجيًا العالم الحقيقي: الأشكال لا ظلالها، الواقع لا انعكاسه، الحقيقة لا الوهم. وعندما يعود ليخبر الآخرين يرفضون تصديقه لأنهم اعتادوا الظلال، وخافوا من ضوء الحقيقة.
وهكذا هو لبنان منذ عقود: صراعات، نفوذ خارجي، وانقسامات طائفية صنعت "ظلالًا سياسية"  ظنّ كثيرون أنها الواقع الوحيد المتاح. لكن الحقيقة ليست في الظلال بل في النور: في السيادة، وقوة المؤسسات، ووحدة القرار الوطني، وفي القدرة على ريادة السلام.
فالخروج من الكهف يعني التحرّر من ذهنية الطائفة إلى ذهنية الدولة، ومن منطق "الهوية المغلقة" إلى منطق المواطنة. والسعي إلى السلام ليس ضعفًا ولا تنازلًا، بل تعبير عن سيادة وطنية ناضجة تفضّل الاستقرار على الاستنزاف الدائم، وتمنح الدولة القدرة على امتلاك قرارها الحر.
لبنان الموحّد هو لبنان يحكمه المواطن لا الطائفة، تقوم شرعيته على الدستور لا على موازين القوى الخارجية.
لبنان القادر على ممارسة سيادته بالمعرفة والحوار وقوة المؤسسات، هو لبنان الذي نريده. لبنان الموحّد ليس مشروعًا طوباوياً، بل خيار سياسي وأخلاقي، يتطلّب شجاعة، وإرادة، وتحويل التعدّد من مصدر نزاع إلى مصدر غنى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق