سرّ الرقم سبعة… حين يكشف الوجود أحد مفاتيحه الخفيّة - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سرّ الرقم سبعة… حين يكشف الوجود أحد مفاتيحه الخفيّة - وضوح نيوز, اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 12:35 مساءً

د. نضال العنداري

 

 

ليس الرقم سبعة مجرّد علامة تُجاور الأعداد على خطّ الحساب، بل هو إشعالٌ لنبضٍ قديم في الوعي، همسةٌ تتردّد في عمق الروح قبل أن تصل إلى سطح الفهم. فبمجرّد أن يُذكر هذا الرقم، يحدث في الداخل ارتجاجٌ خفيف، كأنّ ذاكرة ما قبل الميلاد تنفلت من عقالها لحظةً واحدة، وتفتح نافذة على أسرارٍ لا تُرى بالعين. إنّه رقم لا يُستدعى بالعقل وحده، بل تُستفزّ له المنطقة الأكثر خفاءً في النفس؛ تلك التي تعرف قبل أن تتعلّم، وتستشعر قبل أن تُفسّر، وتوقن قبل أن تُجادل.
ولعلّ سرّ قوته أنّه يتكرّر في الوجود لا بصفته مصادفة، بل بصفته قانوناً ينساب في بنية الكون كما ينساب الضوء في طبقات الفجر. فالسبعة تظهر في السموات، وفي أيام الخلق، وفي طبقات الأرض، وفي مدارج النفس، وفي عوالم الذكر، وفي مقامات السالكين، وفي نغم الوجود نفسه. يظهر الرقم كأنه إيقاع كونيّ، نبضةٌ تتردّد في كل شيء: في حركة الروح، وفي دورات الزمن، وفي الارتقاء من الظلمة إلى النور. وكلّما ازداد الإنسان تأمّلاً، اكتشف أنّ هذا الرقم ليس "حقيقة رياضية" بل "تجربة وجودية" تشبه باباً يفتح من الداخل أكثر مما يُدقّ من الخارج.

pexelstaylorthompson86558165820526701_11

وإذا تأمّل السالك مسار الأشياء، وجد أنّ الوجود يخفي وراء تكرار الرقم سبعة حِكماً لا تدركها العقول إلا إذا لامست بواطن الروح. فالإنسان يتكوّن من سبع طبقات للوعي، والسماء سبع، والأرض سبع، والكلمة تُخلق في القلب ثم تُنطق في سبعة مخارج، وحتى الأيام التي تدور عليها حياتنا سبعة، كأن الزمن نفسه يسير على لحنٍ أزليّ من سبع نغمات. لا شيء في هذا الرقم اعتباطيّ؛ كلّه يشبه نبضة ممتدة من الماضي الأبعد، من زمن لم يكن فيه الإنسان مجرد جسد، بل كان شرارةً من نور في فضاءٍ لا نهاية له.
والعارفون بالأسرار قالوا: إن السبعة ليست حدّاً، بل دورة. كلّما اكتملت دورة، بدأت أخرى، كما تدور طاقة السالك في جسده من أسفل إلى أعلى، مارّة بسبعة مراكز دقيقة، لا تفتح كل واحدة منها إلا حين يتهيأ القلب لاستقبالها. في كل مرحلة شيء من انكسار، وشيء من فهم، وشيء من سماح، حتى يصل إلى السابعة، حيث يتلاشى الصعود نفسه، ويصبح الواقف قائماً بالله لا بنفسه، متجاوزاً حدود الإدراك العاديّ، ساكناً في سكينةٍ لا تُوصف.
والأسرار التي يحملها الرقم سبعة ليست أسراراً تُقرأ بالعين، بل تُذاق بالروح. فالله خلق الوجود على تناغم سباعيّ، يتجلّى في موج البحر، وفي طبقات اللون، وفي مدرجات السمع، وفي دورات النموّ، كأنّ الكون كلّه نُسج على خيوطٍ من سبعة أبعاد تتداخل ولا تتصادم. وعندما يفتح السالك قلبه لهذا التناسق، يشعر أن الحياة ليست أحداثًا متفرّقة، بل نَفَسٌ واحد يتردّد سبع مرّات ليكتمل.
وفي التجربة الصوفية، الرقم سبعة هو سلّم المعراج الداخلي. يوضع أمام السالك لا ليعدّ درجاته، بل ليصعدها: سبعة مقامات تنقّي النفس من عوالقها، ثم سبع أحوال تُشرق فيها الروح، ثم سبعة أنوار تفتح فيها البصيرة. وبين كل مقام وحال نورٌ أدقّ من أن يُمسّ، وجروحٌ ألطف من أن تُرى، ونعمة لا يُدركها إلا من حمل قلباً يليق بالسفر.
فليس السرّ في أن نفهم الرقم سبعة، بل في أن نسمح له أن يعمل فينا. عندها تنكشف الحكمة الكبرى: أن الوجود يسير في حلقات لا في خطوط، وأن الإنسان لا يكتمل مرة واحدة، بل يكتمل سبعاً وراء سبع، وأن الله يُعيد خلق الروح في كل دورة كما يُعيد الربيع خلق الأرض في كل عام.
وحين يصل السالك إلى هذا الفهم، يدرك أن الرقم سبعة ليس مجرّد عدد يتردّد في الكتب القديمة أو الأساطير أو النصوص المقدّسة، بل هو تموّج كونيّ يتكرر في طبقات الوجود من الذرّة إلى المجرة. يراه في تكوين الجسد، وفي مدارج الروح، وفي طبقات الأرض والسماء، وفي تدرّجات الوعي حين يتحول الإنسان من ظلمة الجهل إلى نور الفهم. وعند هذا الموضع الداخلي العميق، يزولُ الوهم بأن السرّ في الرقم ذاته، ويظهر اليقين أن السرّ في القاعدة التي يبنيها: قاعدة الانتقال من درجة إلى درجة، من امتحان إلى آخر، من انغلاق إلى انفتاح، حتى يصبح الإنسان قادراً على حمل النور من دون أن يحترق، وعلى النظر إلى ذاته من دون أن يخاف، وعلى دخول أعماقه من دون أن يضيع.
وحين يتّسع القلب لهذا الإدراك، يفهم السالك أن كل تجربة يمرّ بها ليست إلا باباً من الأبواب السبعة التي تُعيد تشكيله. سبع محطات تُصفّي نيّته، تُنضج حكمته، تُهذّب رغبته، تُقوّي ضعفه، وتجعله أكثر قدرة على رؤية ما وراء ظاهر الأشياء. حتى الألم الذي كان يثقل عليه، يتبدّل ويصير رسولاً؛ وحتى الحبّ الذي كان يربكه، يتحوّل نوراً؛ وحتى الحيرة التي كانت تُربك خطواته، تصبح دليله إلى الطريق. وعند اكتمال العبور، لا يعود الرقم سبعة موضوعاً للفكر، بل يتحوّل إلى إيقاع داخلي يعيش فيه: إيقاع يذكّره بأن الوجود كله رحلة تفتح… وأن القلب لا يبلغ صفاءه إلا إذا اجتاز درجاته واحدة تلو الأخرى، حتى يصبح النور فيه أكثر حضوراً من الظلّ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق